الاثنين، 7 نوفمبر 2016

الشعب يريد إسقاط الحزب الواحد
الحزب الواحد هو الداء الدوي الذي أعيا العقول والأفهام،  إذا انتشر في بيئة ما، إلا و حمل إليها الخراب والدمار والهلاك، وجميع الموبقات التي لا تخطر للإنسان على بال ...
و هل كان سببا في انطلاقة شرارات الربيع العربي،  في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا أحد سواه !!
لقد عانى المصريون مع الحزب الوطني، قرابة ثلاثة عقود من إحكام السيطرة على مقاليد الأمور، كما أذاق حزب بن علي؛ التجمع الدستوري الديموقراطي، التونسيين الأمرين خلال ما يزيد عن العقدين من الزمن.
أما العقيد القذافي الذي أمسك السلطة في بلاده بيد من حديد؛ زهاء أكثر من أربعين سنة بعد انقلاب قاده ضد الملك السنوسي، فلم تكن مجريات الأمور ببلاده، وكذا حقوق الناس، أحسن حالا، وأجمل مآلا ...والحكم نفسه يظل ساريا وبقوة على حزب البعث السوري الذي ورث فيه الأب الحكم لابنه الطبيب، وأودعه معه الغطرسة والبطش والتنكيل وكل أمر سيء يمكن أن يأتي الإنسان للذهن، دون أن ننسى مناورات الرئيس المخلوع عبد الله صالح؛ الذي خلط الحكم بالقبلية والعشيرة وهلم جرا، وبسط سلطانه على الناس بقوة السلاح من خلال إطالة أمد حزب المؤتمر الشعبي العام في الحكم لفترة تربو على ثلاثين عاما، وها هو إلى الآن، على الرغم من المبادرة الخليجية التي حصنته ضد الملاحقة الجنائية، سواء في الداخل كما حصل لعدة رؤساء في العالم، أم في الخارج كما يحدث الآن للرئيس السوداني؛ الذي تطالب الجنائية الدولية باعتقاله في كل محفل حل به ...على الرغم من الحصانة، لازال يتدخل في أمور السياسة يحرك قواعد اللعبة، و قد ساعد الحوثيين على احتلال العاصمة صنعاء، والعبث بـأمن المواطنين وأرواحهم، كما أنه متورط في التآمر مع الحوثيين للإطاحة بحكم الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ...
لماذا كانت المناطق التي يحكمها الحزب الواحد في عالمنا العربي، أكثر البؤر اشتعالا وتوترا دون بقية الدول الأخرى؟؟
لا ننكر وجود قلاقل في بعض البلاد التي لا يهيمن عليها الحزب الواحد، ولكن نظرا لوقوعها تحت تأثير التجاذب الطائفي، والتحريض المذهبي الاقليمي، فكل ذلك يدفعنا لاستثنائها من سياقنا الذي نتحدث عنه ههنا ...
إن أكبر مأزق وقعت فيه نخبنا السياسية والفكرية، وكذا القائمين على تدبير شؤون البلاد والعباد، لاسيما في تلك الدول التي هيمن على مقاليد الحكم فيها، الحزب الواحد المفرد، هو تجاهلهم التطور الذي عرفته المجتمعات التي آمنت بفكرة الحزب الواحد، بل كانت هي المصدر الأول لهذا المشروع المشروخ؛ الذي تبين بالبرهان الساطع والدليل القاطع، لاسيما بعد هبوب رياح الربيع العربي الهوجاء؛ التي اقتلعت كثيرا من مسلمات بعض الذهنيات المتحجرة من الجذور، أنها كانت فكرة عابرة في سياق عابر، واليوم وأمام التغييرات العميقة التي شهدتها أوروبا الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا، وبسبب تخلي روسيا في زمن غورباتشوف، عن فكرة الاشتراكية، والحزب الواحد المهيمن على كل كبيرة وصغيرة، بعد إعلان انتهاج  البيريسترويكا والانفتاح في مجال الاقتصاد، وسقوط جدار برلين بعد ذلك، وتوحيد الألمانيتين، لم يعد مستساغا في عالمنا العربي، اعتناق فكرة الحزب الواحد، والتعصب لها، وإرغام الناس على الإيمان بتعاليمها، و احترام مقتضياتها صحيح بعد استقلال كثير من الدول العربية، وفي أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين؛ الشيوعي، والليبرالي الرأسمالي ، كانت الاصطفاف مع معسكر ضد المعسكر الآخر، له ما يسوغه ويعلله ويزينه في عيون الرائين، لكن بعد سقوط محور أوروبا الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا، وبروز معالم النظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح واجبا إعادة التفكير في أنموذج الحزب الواحد؛ الذي انبثق مع الثورة البولشفية التي أطاحت بالقياصرة في الاتحاد السوفياتي سابقا...إننا لانقصد ههنا إجبار الناس على اعتناق الليبرالية الرأسمالية، والسير في ركاب الغرب وعولمته المتوحشة،  ولكن ما نعنيه بنبذ فكرة الحزب الواحد؛ هو عدم إخضاع الناس لمنطق الايديولوجية الواحدة المغلقة كما كان سائدا خلال العشرينات من القرن الماضي في الاتحاد السوفياتي ....إن منطق الأشياء والتاريخ والسياق يقتضي الإيمان بحتمية التغيير؛ الذي يعتبر من السنن الإلاهية الكونية، لا نعني بهذا الكلام، الانجرار خلف الدول الرائدة ومحاكاة أنظمتها السياسية، والخضوع لتبعيتها، ولكن ما نتوخى بيانه في هذا المقام، هو أن دولنا العربية، وأنظمتنا السياسية، يجب أن تظل منفتحة على التطوير والتجديد بما يتناسب مع إرساء مبادئ حقوق الإنسان والحداثة والديموقراطية التي من معانيها ومبادئها الراسخة؛ التداول السلمي على السلطة دون إراقة قطرة دم، أو إزهاق نفس أي مواطن أو مواطنة ...صحيح أن بعض الأنظمة العربية ظلت وفية للنظام الاشتراكي وللحزب الواحد الشمولي بحجة وذريعة الغطرسة الليبرالية، واستبداد الانظمة التي تتبع النهج الرأسمالي، وهم يستندون في هذا الحكم على تبعات ومخلفات العولمة التي تنتصر على الشعوب الضعيفة، وتبتلع الاقتصادات الهشة لأغلب دول الجنوب النامية أو الصاعدة ...هذا حجاج منطقي ولاشك، لكن مساوئ الليبرالية الرأسمالية لا يجب أن تمنعنا من رؤية ايجابياتها و محاسنها المتجلية في الانفتاح، والحرية، وإرساء منظومة حقوق الإنسان، ناهيك عن التداول الديموقراطي على السلطة ...إن علل الأنظمة التي ظلت تضطهد شعوبها قبل الربيع العربي تحت راية الحزب الواحد الذي يمسك بتلابيب الحكم والسلطة والإنتاج والاقتصاد، اتضح بعد الإطاحة بها والانقلاب الثوري عليها، بعد الثورات العربية الناجحة التي شاركت فيها الجماهير الشعبية بتلقائية لا مثيل لها من قبل، كل ذلك يمكن اعتباره دليلا ساطعا على قصر نظر المدافعين في السابق عن فكرة الحزب الواحد ...بل إن الثورات العربية قد أبانت خطل الهتاف لزعيم واحد أوحد، بدل الإنصات لنبض الشعب وفئات المجتمع وشرائحه كلها.
إن الحزب الواحد، وفكره الذي ظل أنصاره و مريدوه يقاومون في السر والعلن،  من أجل ترسيخه، وإقناع الناس به عن طريق القوة تارة ، وعن طريق الدعاية الكاذبة والمارقة أحيانا أخرى؛ ثبت أنه لم يكن أكثر من ايديولوجية مغلقة متزمتة؛ الهدف منها،  إطالة أمد الديكتاتورية الفردية التي تأبى المزاحمة والاختلاف ...و يضيق صدرها لسماع الرأي المغاير، والفكر المناقض...
لقد ثبت بالملموس للداخل والخارج، أن آمال الشعوب وطموحاتها في التغيير والتقدم، ومطالبها بالحرية والديموقراطية والتعددية الإيجابية، كل ذلك لن يكون على يدي الحزب الواحد، وأنصاره المناوئين لكل فكر مختلف، أو تفكير متحرر من سجن الايديولوجية وأسوارها الشاهقة مثل القلاع، والحبلى بالأشواك...
إن الحرب التي استعر أوارها اليوم في بعض المناطق العربية بعد الحراك الشعبي الجماهيري من أجل تغيير أنظمة الحكم الشمولية، والتي خرجت فيها الجموع والجماهير تهتف وراء شعار خالد " الشعب يريد تغيير النظام " ؛ هي حرب بين ايديولوجية الحزب الواحد الذي لا يريد الاستسلام لسنن الله الكونية في التغيير، وبين الذهنيات التي تتأبى الظلم والاستبداد والهيمنة على مقاليد الحكم، وإملاء الأوامر والقرارات على الشعب بعيدا عن استفتائه ومعرفة رأيه من خلال صناديق الاقتراع ..
و ستكون النتيجة حاسمة في النهاية و لاشك، لان المستبد الظالم لا يمكن أن يستمر في قهره وبغيه واعتدائه على حقوق مواطنيه ومطالبهم إلى ما لانهاية...
إن ما أخشاه ويخيفني بشدة، هو أن يتحول  الحزب الواحد المسيطر على الحكم بعد إزالته من جميع دولنا العربية عاجلا أو آجلا، إلى نمط حياة، وطريقة تفكير في كثير من ذهنيات مثقفينا ومواطنينا وطلابنا وطالباتنا في الجامعات، وقد بدأنا مع الأسف الشديد نلاحظ  تسرب بعض الممارسات الدالة على الانصياع لفكرة الحزب الواحد في سلوكاتنا ومواقفنا ومناظراتنا،  بل وحتى في كتاباتنا المختلفة ، أو على الأقل -للابتعاد عن التعميم الأعمى- لدى فئات من المجتمع ...
إن الحزب الواحد في نظري؛ ليس مقرات وايديولوجيا، وأجهزة وفروع وقيادات وبيانات وخط نضالي، إن الحزب الواحد كما نشاهد من خلال بعض تمظهراته في تواصلنا اليومي مع كثير من الناس، هو التعصب للرأي الواحد، والخيار الواحد، والتصور الواحد.
 بعض أعضاء أحزاب معارضتنا ومثقفيها وأنصارها من الطبقة العالمة  في العالم العربي اليوم، يوظفون مفاهيم الحزب الواحد بشكل سلبي أثناء انتقادهم للحكومات التي يختلفون مع التشكيلات السياسية التي تؤثثها، أو مع من لا يشاطرونهم  التفكير وأسلوب التدبير اليومي.
إن الآخر المختلف معنا،  حين يستبد برأيه وموقفه وفاء لمرجعياته الشخصية، ومعتقداته الفردية، وينظر إليك دائما أنك على خطإ لا باعتبار سلوك معين صدر عنك، أو مارسته في سياق محدد، بل بالنظر إلى مرجعياتك، ومواقفك، ومذهبك، ونحلتك، وملتك، وطائفتك، فإنه يمارس فكر الحزب الواحد ...إنه ببساطة يقترب من صفات الديكتاتوري !!!
إن التعصب للرأي أو المذهب أو الطائفة أو الجماعة، خلال التعبير عن الرأي أو الحكم على سلوك الأغيار ، كل ذلك تعبير عن انتمائنا للحزب الواحد ...
لذا ، لا نستغرب حين نسمع عن اتهامات  التخوين والتكفير ، فهما آليتان يلجأ إليهما أصحاب فكر الحزب الواحد، والطائفة الواحدة، والجماعة الواحدة ؛ لتصفية خصومهم وإقصائهم ، وتحريض الناس عليهم ...

إن ما قلناه عن الحزب،  يمكن إسقاطه دون محاذير أحيانا على أفكار وسلوكات بعض الجماعات التي تزعم امتلاكها الحقيقة وشرعية التفكير، وتمارس من خلال الاستناد على بعض المقدسات إقصاء ممنهجا للخصوم المفترضين أو من لا يشاطرونها الرأي ...إن الحزب في هذا المقال رمز فقط ، لكن المقصود هو الانغلاق والهيمنة والرغبة المرضية في إملاء المواقف والاتجاهات على الناس باستعمال القوة بدل الإقناع .
مثقفون يستنكرون عبر حيطانهم استبدال التعنيف بالحوار

لم يعد انتظار  جمهور المتلقين والقراء طويلا، وشوقهم عارما، وفضولهم جارفا، لتعرف مواقف المثقفين، والإنصات لصوتهم، وآرائهم، وجس نبضهم صوب ما يعتري مجتمعاتنا من هموم كالجبال أو أشد، مع الثورة التي يشهدها العالم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وما أتت به من وسائط متطورة، ووسائل باهرة؛ في تيسير التواصل بين الشعوب والجماعات والأفراد، والتي أعادت رسم الحدود بين بني البشر؛ سواء عبر القارات الخمس؛ أو الكيانات؛ أو على مستوى القطر الواحد؛ ولعل خير دليل على ما نقول؛ شدة التفاعل الذي رصدناه بين المثقفين المغاربة وواقعة الخميس القاتم؛ في السابع من يناير 2016، حين تعرض الأساتذة المتدربون، والأستاذات المتدربات، للاستعمال المفرط للقوة؛ لاسيما في مدينة أكادير .
لقد أبان المثقفون المغاربة عن تجاوب سريع مع الصور التي تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة الفايس بوك، بل وجعلوها خلفية لنصوصهم التي بادروا بكتابتها بتلقائية نادرة وعفوية جميلة؛ تختزلان قوة الاندغام؛ والالتحام؛ والتضامن، والتآزر، مع معاناة الأساتذة المتدربين، والأستاذات والمتدربات وآهاتهم .
نستهل تشخيصنا لردات فعل المثقفين المغاربة، بما وُثِّق بواسطة الشعر، ويأتي هنا نص الشاعر المغربي محمد علي الرباوي؛ الذي أبى أن تفوته هذه الفاجعة المؤلمة التي نزفت فيها دماء الذين كادوا أن يكونوا أنبياء ...
للتذكير، فالشاعر محمد علي الرباوي، حاضر بقوة على ضفاف البحر الأزرق، باسط ذراعية باستمرار، آناء الليل وأطراف النهار، للإصغاء لنبض المجتمع، وفئاته التي أنهكها جور الزمان وغلبة الرجال !!
نص "المغرب القاسي"، هو عنوان القصيدة التي أطلقها الشاعر مدوية على يوميات حائطه في فايس بوك، في اليوم الموالي لحادثة الخميس القاتم ، بالضبط يوم الجمعة ثامن يناير2016 على الساعة الواحدة وثمانية وثلاثين مساء .
وقد وصلت بسرعة البرق إلى العدد الكبير من أصدقائه من الجنسين، اثنين وتسعين وتسع مائة وأربعة آلاف (4992) صديق.
الشاعر انتقل من تسمية المغرب" الأقصى "،   المنتمية لحقل الجغرافيا، إلى الحقل الإنساني" الأقسى"، حيث مجال العواطف والمشاعر والأحاسيس...
لقد كسر الشاعر أفق انتظار القارئ، وخيب توقعاته، لقد قام عن سبق إصرار بخلط مجال الجغرافيا؛ ذي المعالم الواضحة؛ في عالم الحس والعلم، بعالم الوجدان؛ حيث تتشابك الآلام والآهات لترسم معاناة الموصوف ...
الشاعر محمد علي الرباوي يسافر بقارئه بين مغربين، المغرب الأقصى؛ كما تدل عليه الخرائط، وكما سماه العلماء في الماضي، والمغرب الأقسى، الذي انبثقت خريطته الجديدة من رحم التعنيف، واستعمالا الهراوات ضد أطر المستقبل التي ينتظر أن تطرد ظلام الجهل من العقول...الشاعر لم يشأ الزج بقارئه في أتون التأويل ودروبه الملتوية، حيث أعاننا بإدراج صورة أستاذة متدربة، وهي مدرجة في دمائها بعدما نالت نصيبها من هراوات التعنيف في الخميس القاتم ...
لقد أراد الشاعر أن يعبر عن شجبه وإدانته لما حدث ضد الأساتذة المتدربين المحتجين، فما اختار جهازا محددا، ولا اتهم آلة بعينها، بل صب جام استنكاره على الجغرافية كلها؛ ووصفها بالقسوة؛ وهي أشد الأوصاف تعبيرا عن انعدام الإنسانية، والرحمة من القلوب !!!
لماذا وصف الشاعر المغرب بالأقسى ؟
لأنه كما يقول الشاعر في نص على حائط يومياته :
أَدْمَى أَمانِينَا
نَدْنُو هَوىً مِنْهُ
وهْوَ يُجَافِينَا
اَلْمَغْرِبُ الأَقْصَى
أقْصَى أَهَالِينَا
لِأنَّنَا عِشْنَا
فيهِ مَسَاكِينَا

الشاعر لا يتورط في لغة التقرير  المباشرة، يكتفي بالإيحاء مستعملا خطابا رمزيا لمهن يهمه الأمر، فلولا صورة الأستاذة المتدربة التي تناقلتها المواقع والمنتديات، للأستاذة المتدربة والدماء تسيل من أنفه الذي هشمته الهراوات، والتي وضعهــــــا  






الشاعر مرافقة لنصه، لما أقمنا جسورا بين واقعة السابع القاتم وفحوى النص ......
الشاعر يدين العنف الممارس ضد الأساتذة المتدربين؛ الذين أقصاهم  كما يقول: الوطن القاسي !
هذا أنموذج لشجب الردة الحقوقية، والجميل المعبر عنه  في شعر الرباوي، كونه لم يفصح عن الجلادين، ومن يتقاسمون معهم وزر المسؤولية، بل جعلها واقعة على الجميع    !!!لقد أتت الإدانة شعرا، فكيف عبر عنها المثقفون  الآخرون؟
سنقف عند موقف شاعر آخر، لكن هذه المرة ليس من خلال نص شعري، بل من خلال تصريح مباشر، أبان فيه الشاعر ياسين عدنان، عن موقفه عبر صفحته على فايس بوك،  كالآتي :  
" أن تنتقل الحكومة من التبرير إلى التنكيل بأساتذة الغد وسحلهم وإراقة دمائهم في الشوارع فهذا أمر مُخْزٍ. والمخزي أكثر أن الحكومة، من خلال قوات الأمن التي أطلقتها على أساتذة الغد، بدت كمن يستأسد على ضعيف. والحقيقة أننا كمواطنين صرنا نشعر أن قوات الأمن بدأت تستأسد فقط على الفئات المثقفة المتعلمة، فيما تتحوّل مع الأسف الشديد إلى نعامة في الملاعب أمام ميليشيات التشرميل الكروي العنيفة."  يوميات الشاعر على الفايس .
الشاعر ياسين عدنان لم يخف في تدوينته على حائط يومياته في فايس بوك، أنه كان منذ البدء متعاطفا مع الطلبة الأساتذة ضد المرسومين، وقد بين عدم تفهمه لتخفيض منحتهم، لكنه عبر عن احتجاجه الكبير فصل التوظيف عن التكوين، وقد اعتبر الشاعر أن هذا القرار أتى مستفزا، وغير مفهوم في ظل المعطيات المتوفرة التي تؤكد وجود خصاص كبير في عدد أساتذة المستقبل ...
الشاعر غير ولاشك موقفه، أو لنقل درجة نقده وعتابه للحكومة بعد حادثة يوم الخميس الأسود، حيث اعتبر أن سلوك التعنيف؛ يعتبر موقفا مخزيا بعدما وصف الأفعال المصاحبة للهجوم على الطلبة من قبل قوات الأمن؛ بأشنع الأوصاف بعدما استدعى لذلك معجما قدحيا يتمثل في أفعال :
التنكيل / السحل / إراقة الدماء في الشارع /...
الشاعر اعتبر ما أقدمت عليه الحكومة يوم الخميس، بمثابة استئساد على الضعفاء من الأساتذة المتدربين، وهذا التوصيف بمثابة انتقاد وإدانة قويين للردة الحقوقية التي دشنتها هذه الحكومة التي أتت بعد دستور 2011 بعد الحراك الشعبي الذي تزامن مع موجات الربيع العربي...
وقد استغرب الشاعر تقاعس الحكومة في التصدي لما أسماه ميليشيات التشرميل الكروي العنيفة في الملاعب في مقابل استعمال القوة ضد المسالمين.. !!
وذكر بأن حالة الحكومة المغربية -ووزارة دخليتها- اليوم يَصْدُقُ عليها بالبيت الشهير الذي قيل عن الحجّاج مرّةً :
أسـدٌ عليّ وفي الحروبِ نعــامـةٌ / ربداءُ تُجفِلُ من صفـيـرِ الصّــافرِ
وفي الأخير " أعرب عن خجله مما حصل باعتباره مواطنا مغربيا، وأعتذر باسمه الشخصي لكلّ الأساتذة المتدرّبين الذين أُريقَتْ دماؤهم..."
الموقع الثالث الذي نورده في هذا السياق، للناقد حسن لمودن، الذي لم يتوان مثل باقي المثقفين المغاربة، في إدانة ما حصل يوم السابع يناير، حيث صدح على جدار يومياته بالتصريح الآتي :
" لا للقوة والعنف... نعم للغة الحوار وتبادل الرأي والبحث المشترك عن الحلول ... كيف نعنِّــف مَـن نُـريد منه أن يُـربي أبناءَ الوطن على لغة التواصل والحوار والإقناع؟ كيف نُـعنِّــف مَن نُـريد منه غدًا أن لا يُـعنِّـف تلامذته، وأن يَـتواصل معهم ويُـحاورهم بالتي هي أحسن؟ كيف نُـعنِّـف المعلِّمَ الذي نُـريد منه أن يُـعلِّمَ المجتمعَ كيف يحلُّ مشاكله وقضاياه، التي قد تكون معقدة، لا بالعنف والتعصب والقوة، بل بالنزوع إلى الوسائل السلمية، من تواصل وتحاور وتفاهم على الحلول المعقولة والعادلة؟ " يوميات الناقد على الفايس .
الناقد حسن لمدن لم يغادر مرجعياته التي اشتغل في ضوئها، ويؤمن بها كما تتجسد في آخر كتاب نشره، "في بلاغة الخطاب الإقناعي"؛ والذي أكد فيه راهنية موضوع الإقناع؛ باعتبارة آلية فعالة خلال الحوار بين البشر؛ من أجل حل النزاعات ...وتدبير الاختلاف ...
الناقد يشجب العنف ويدين استعمال القوة؛ واعتبارهما بديلين عن لغة الحوار والتخاطب، إنه يقولها بوضوح تام" لا " للحكومة ...ولكل من له صلة باستعمال القوة ضد الأساتذة المتدربين ...
استنكار الناقد حسن لمودن بلغ مداه، حين تساءل بأسلوب الاستفهام الاستنكاري:
"كيف نعنِّــف مَـن نُـريد منه أن يُـربي أبناءَ الوطن على لغة التواصل والحوار والإقناع؟"
الناقد حسن لمودن، جعل  كلمة " لا " بهذا الاستفهام الاستنكاري، مضاعفة، قوية، لأن الذين عنفوا ليسوا مواطنين عاديين، إنهم من سيحمل مشعل تربية ابنائنا وحفدتنا !!
هذه ثلاثة نماذج سقناها هنا على سبيل التمثيل، والمتابع لما يكتبه المبدعون والمثقفون المغاربة عبر أمواج المحيط الأزرق، كل يوم ، وساعة، سيلحظ كيف أن هؤلاء لا ينزوون في أبراجهم العاجية، ينغلقون على آهات المجتمع ونبضه، بل هم أحياء لكونهم يعيشون سط الناس وبالإحساس بهم...صحيح أن المبدعين يكتبون عن ذواتهم كثيرا ، لكن متى كانت تلك الذوات معزولة عن الآخرين ؟




 

لماذا توني بلير ليس عمر البشير؟؟




هل نحن سواسية في هذا العالم ؟
لكن من يندرج ضمن الضمير " نحن" ؟
هل الإنسان العربي مثل الإنسان الغربي؟
هل المسؤول العربي والمسؤول الغربي سواسية أمام القوانين والتشريعات الدولية؟
لماذا تطارد الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر حسن البشير فقط ؟
لماذا أصر القضاء في جنوب إفريقيا على توقيفه خلال مشاركته في القمة الافريقية في شهر يونيو 2015؟ 
قد يقول قائل، إن الرئيس عمر البشير، اقترف أفعالا يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، لاسيما في إقليم دارفور، وشكلت انتهاكاته الجسيمة تلك؛ والتي اعتبرت حربا ضد الإنسانية، سببا كافيا لتوجيه المحكمة الجنائية الدولية منذ 2009، أمرا دوليا باعتقاله حيثما حل أو ارتحل لسنا هنا في سياق الدفاع عن سيادة الرئيس أو تبرئته مما نسب له، هذا أمر متروك للقضاء حصريا، وأقصد هنا القضاء السوداني بالخصوص .
 لكن السؤال الذي يتبادر للذهن ههنا، هل تتعامل المحكمة الجنائية الدولية مع رؤساء الدول في العالم، والمتهمين بالجرائم الخطيرة، التي يمكن تصنيفها على أنها جرائم حرب ضد الإنسانية، على قدم المساواة؛ أي ؛ بنفس مقاييس الصرامة ومعايير الشدة ؟
هل أنصتت المحكمة الدولية للاعترافات التلقائية لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والتي أدلى بها مؤخرا لقناة "سي ان ان"، "أنا اعتذر ازاء حقيقة ان المعلومات السرية التي استلمناها كانت خاطئة، فرغم ان صدام استخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه والاخرين على نطاق واسع، لكن برنامجه الكيمياوي لم يكن مثلما كنا نتصور (...)، و أعتذر أيضا بسبب بعض الأخطاء في التخطيط خاصة، الخطأ في ادراك الوقائع بعد ازاحة حكومة. هنالك بعض الحقيقة فيما يخص تصريح البعض بان ظهور داعش هو نتاج غزو العام 2003 (غزو اميركا وحلفائها للعراق) ، وبطبيعة الحال لا يمكن القول بان لا مسؤولية تقع على عاتق الذين ازاحوا صدام عام 2003 تجاه ظروف العام 2015".
لقد كانت حرب بوش وبلير على صدام حسين، والعراق، بدون أدلة كافية، وبدون موافقة مجلس الأمن ،كما أنهما لم يمهلا مفتشي الأمم المتحدة حتى ينهوا مهام التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل التي زعما أنه يملكها. لذا ألفينا الرئيس الفرنسي إذاك؛ جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر، يرفضان الانسياق خلف مزاعم دعاة الحرب والمتحمسين لها .
 ألا ينهض هذا التصريح العفوي من رئيس وزراء بريطانيا السابق، دليلا ساطعا على مسؤوليته صٌحْبَة شريكه الأمريكي، في تعريض أمن المنطقة للخطر، مما تسبب في إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء الذين يتساقطون يوميا في بلاد الرافدين ؟
لماذا لم تصدر المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالاستماع لتوني بلير على خلفية الاعترافات التي أتت على لسانه ؟
لماذا يصر القضاء الغربي الدولي على ملاحقة رئيس عربي يتمتع بحصانة سياسية بالنظر إلى كونه لازال يمارس مهامه رئيسا لدولة ذات سيادة، وأعيد انتخابه من قبل شعبه، في حين لا تفعل الأمر نفسه مع  زعيم غربي، لم يعد يمارس مهام منصب رئيس وزراء؛ والذي من خلاله قام بغزو العراق، وتدميره، وتوفير التربة الخصبة للإرهاب المتوحش الذي أصبح شبحا مرعبا للعالم بأسره ؟؟
ومع الأسف الشديد، الأمر نفسه حصل مع الرئيس الليبي معمر القذافي الذي تحركت الطائرات الفرنسية والبريطانية لقصف معاقله وتدميرها؛ مما جعل دولته تسقط، وأغرق ليبيا في دوامة الفوضى العارمة، وشجع على انتشار السلاح، ووقوعه في أيدي الجماعات والميليشيات التي تحالف بعضها مع الإرهاب ومع داعش.
إن الشعور الذي يسيطر على المتابع الموضوعي، وعلى الإنسان العربي خاصة، بعد مقارنة الحالتين أعلاه، وأقصد حالة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، يتمثل في كون العالم لا يسير نحو طريق العدالة، وأننا لسنا قريبين جدا من قيم المساواة، وعدم التمييز؛ على أساس العرق والدين والانتماء، والتي نصت عليها الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان منذ 1948 .
جوابا على سؤالنا أعلاه، نقول إن الإنسان العربي ليس مثل نظيره الغربي، كما أن الزعيم العربي ليس مثل الزعيم الغربي، وأن العالم تحكمه القوى الخمس التي تسيطر على مجلس الأمن، وتملك حق النقض، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا ...
إن من ينتمي لهذه الدول، يمكنه التمتع بحصانة ضد المتابعة القضائية، لاسيما خارج بلده الأصلي، أما من كان من دول الجنوب، والدول العربية، فليس هناك من يقف بجانبه إذا رأت القوى العالمية متابعته ضرورة لابد منها؛ لاسيما إذا تعارض نشاطه أو خطابه مع مصالحها الحيوية والاستراتيجية ...
كما أن الدول التي ترتبط بالقوى العالمية بصلات وطيدة وصداقات متينة، لا يمكن لزعمائها وقادتها أن يحاكموا، وقبل ذلك، لا يمكن للقضاء الدولي المطالبة بمثولهم على أنظاره، ولنا في قادة إسرائيل، المثال الحي، فعلى الرغم من اقترافهم الجرائم الموثقة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، لاسيما في حق الأطفال الأبرياء، والنساء، لم يجرؤ أحد ممن ينادون بملاحقة المدانين بالجرائم الفظيعة ضد الإنسانية، بالدعوة لمساءلتهم أو اعتقالهم أينما حلوا في العالم .
إن التقدم الهائل الذي حققه العالم في مجال التكنولوجيات والاختراعات بكل أشكالها وأنواعها وأحجامها، لم يوازيه بعد مع الأسف الشديد، تطور على مستوى العدالة والمساواة بين الشعوب والأمم، هذا على الرغم من مرور أزيد من ستة عقود على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
إن هذا الإعلان صدر بإشراف الدول العظمى وبموافقتها، وهي بلا شك لن تقبل أن يضر تطبيق هذا الإعلان العالمي بمصالحها الحيوية، ومخططاتها الاستراتيجية ...
إن على الدول العربية أن تتكتل وتتوحد، وأن تنهض من جديد لتسترجع قوتها ومناعتها في العالم، وتصبح من القوى التي يضرب لها الحساب بين الدول العظمى...لقد منحنا الله ثروات هائلة بشرية وطاقية وفلاحية ، ما أحوجنا لاستثمارها من أجل بناء مجتمعات متطورة قادرة عل إثبات حضورها على الساحة العالمية، ولا أظن أن هناك سبيلا نحو هذه المقاصد والغايات الكبرى، بدون إرساء البحث العلمي التطويري، وتشجيع الطاقات الخلاقة في الجامعات ومراكز البحوث العلمية المواكبة للثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي يشهدها العالم المتقدم، ونحن في حاجة ماسة لتأسيس مجتمعات المعرفة والمعلومات...فضلا عن استنبات الديموقراطية الحقيقية التي تعني تفويض الشعوب الحق في اختيار ممثليها داخل المؤسسات الدستورية .

كما أن المنتظم الدولي، منظمة الأمم المتحدة، في حاجة كبيرة وماسة لتعديل قوانينها ومواثيقها الموروثة عن الحرب العالمية الثانية ونتائجها ومخلفاتها، من أجل مزيد من الديموقراطية في العالم بين الشعوب والأمم، وبين قادتها وزعمائها، لأن استمرار الدول الخمس كاملة العضوية في مجلس الأمن، أي صاحبة الفيتو، في التحكم في السياسة العالمية، وتوجيه المنظمة العالمية والأجهزة المتفرعة عنها في جميع المجالات؛ لئلا تتعارض مجالات تدخلاتها مع المصالح الحيوية لمجموعة حق النقض، لا يمكنه البتة المساعدة في إرساء المساواة بين الشعوب والدول في العالم، وتشكل متابعة الرئيس السوداني عمر حسن البشير جنائيا أما المحكمة الجنائية الدولية بتهم الحرب ضد الإنسانية؛ نظرا لما يقال عن تدخل قواته في دارفور ضد السكان العزل، مظهرا صارخا من مظاهر العدالة الانتقائية التي تركز على قادة إفريقيا؛ القارة الجريحة المغلوب على أمر عدد كبير من دولها لاسيما الواقعة في الجنوب، في حين يتم غض الطرف عن جرائم الكيان الصهيوني فلسطين .
هل استفاد حزب العدالة والتنمية من التصويت العقابي؟

تعتبر الانتخابات بشتى أنواعها، سواء التشريعية لاختيار ممثلي الأمة في البرلمان، أم الجهوية المتعلقة بالتصويت على أعضاء مجالس الجهات، أم المحلية، الخاصة  بالاقتراع على مسيري الجماعات الترابية، آلية حضارية حديثة، ومتقدمة لممارسة الحقوق الفردية للأشخاص؛ أي المواطنين والمواطنين، البالغين السن القانونية للتصويت، وهي من مظاهر الديموقراطية في المجتمعات العريقة والمتطورة؛ حيث يفسح المجال بكل حرية أمام الناخبين والناخبات، للتعبير عن إرادتهم، والتي تجسد في المحصلة، ما يريده الشعب عبر تفويض مسؤولية التمثيل، والانتداب، لمن يتم اختياره لهذه الغاية ...
غير أن تحليل فعل التصويت باعتباره ممارسة لا تقع إلا خلال خمس سنوات؛ كما هو جاري به العمل بمقتضى القوانين التنظيمية في المغرب، يجعل الباحث أمام سلوكات انتخابية جديرة بالتحليل والتأويل؛ نظرا لتبايناتها، وتأبيها الانقياد للأعراف، والخضوع للمنطق، وخرقها للتكهنات، وتكسيرها أفق انتظار المتابع والملاحظ والمواطن على حد سواء ..
إن الذين يملكون، واللائي يملكن حق المشاركة  في الاقتراع في المغرب أنواع عديدة، منهم غير المسجلين في اللوائح الانتخابية، وهؤلاء ليس لهم حق الإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع بموجب القانون، ومنهم المسجلون في اللوائح الانتخابية، ووسط فئة المسجلين رسميا بالقوائم الانتخابية، نلمس لديهم سلوكات انتخابية متعددة بحسب الوسط الاجتماعي، والمستوى الثقافي، ناهيك عن الانتماء السياسي، فمنهم المقاطعون للانتخابات، ويمكن إضافتهم لغير المسجلين عند الحديث عن ظاهرة العزوف عن التصويت، وهناك المصوتون بحسب الانتماء الحزبي، وهناك الذين يدلون بأصواتهم ضد الأحزاب التي سبق لهم أن منحوا ثقتهم لمرشحيها، أو التي كانوا يتعاطفون معها، وهذا النوع،  يمكن تسميته بالتصويت العقابي.
سنقتصر على هذا المظهر البارز من السلوك الانتخابي، والذي تم رصده في الانتخابات الجهوية والمحلية، التي نظمت يوم الرابع من شهر شتنبر2015 بالمغرب، يتعلق الأمر بالتصويت العقابي للناخبين ضد المرشحين والأحزاب التي نالت ثقة المصوتين في  الانتخابات الجماعية لـ 2003 . 
لا يهمنا في هذا المقام أن نبحث هاته الظاهرة في حد ذاتها، بل سنركز على علاقتها المباشرة بنتائج انتخابات الرابع من شهر شتنبر 2015، أي عن تأثيرهما البين في النتائج المحصلة...
لابد من الإشارة في البدء إلى أن الاصطفاف من لدن الفرقاء السياسيين، أي الأحزاب الرسمية المشاركة في اقتراع الرابع من شهر شتنبر 2015، قبل انطلاقة الحملة الانتخابية، وإبان إعداد قوائم المترشحين والمترشحات، قد تم على أساس فسيفساء المشهد السياسي المغربي؛ مجسدا في فريقين بارزين متنافسين داخل حلبة التدافع الحزبي، يتعلق الأمر، بفريق الأغلبية الحكومية بقيادة حزب العدالة والتنمية، رفقة أحزاب الحركة الشعبية، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب التقدم والاشتراكية.
أما الفريق الثاني، فيتألف من مكونات المعارضة البرلمانية للحكومة، ويتعلق الأمر بحزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاصالة والمعاصرة، وحزب الاتحاد الدستوري...
لقد راهنت أحزاب المعارضة خلال الحملة الانتخابية على هزيمة الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، لأنها وفق منظور زعماء هذه الأحزاب، قد أخفقت بعد زهاء ثلاث سنوات ونصف من التدبير الحكومي، في الاستجابة للمطالب الواسعة، والكثيرة للمواطنين والمواطنات، والتي تم التعبير عنها في برامجها الانتخابية بمناسبة الانتخابات التشريعية 2011، وهو فشل حسب تصور أحزاب المعارضة، تتحمل فيه الأحزاب المشاركة في التحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية المسؤولية كاملة...
لقد توقعت أحزاب المعارضة بأن يصوت الناخبون والناخبات ضد أحزاب الأغلبية الحكومية، وحزب العدالة والتنمية خاصة، تصويتا عقابيا، بسبب التذمر الهائل وسط جميع فئات المجتمع لاسيما الشباب، بسبب ارتفاع نسب البطالة في عهد هذه الحكومة، ناهيك عن الزيادات التي طالت المحروقات، مما انعكس على منظومة الأسعار، وأدى إلى غلاء المواد الأساسية التي يتوقف عليها المعيش اليومي للمواطنين والمواطنات، وهي المشاكل والمآزق التي سعت المعارضة خلال حملاتها الانتخابية استثمارها بشكل جيد للتأثير في الناخبين، وثنيهم عن التصويت على مرشحي أحزاب الأغلبية الحكومية، وفي المقدمة حزب العدالة والتنمية ، لكن أحزاب المعارضة غاب عن تقديراتها أن الانتخابات الجماعية والجهوية ليست امتحانا لمدى نجاح الحكومة في تنفيذ السياسات العمومية المحققة للتنمية، أو فشلها، بقدر ما هي محاسبة من لدن الناخبين والناخبات، للذين دبروا شؤونه المحلية والجهوية خلال الفترة التي تلت آخر انتخابات عرفتها البلاد في 2009؛ أي من 2009 إلى 2015.
إن المحاسبة يجب أن تشمل الأحزاب السياسية التي سيرت المدن المغربية الكبرى من خلال رئاسة المجالس البلدية والقروية، أما محاسبة الحكومة فيمكن الحديث عنه خلال الانتخابات التشريعية التي يتم تكليف الحزب الفائز خلالها بأغلبية الأصوات بتشكيل الحكومة كما هو منصوص عليه في دستور البلاد.
لقد أرادت أحزاب المعارضة استغلال بطء الإصلاحات الحكومية، وتعثر بعضها، بسبب بعض الإكراهات الخارجية والداخلية، لإيهام الناخبين بأن الأحزاب التي تشارك في الحكومة، إن كانت عاجزة عن الاستجابة لمطالبة الملحة والآنية من خلال موقع المسؤولية الحكومية، فهي أعجز عن الالتزام والتطبيق من خلال موقع الانتداب الجهوي والمحلي؛ لكن يقظة الناخبين والناخبات، والإشارات القوية التي بعث بها  الخطاب الملكي للشعب بمناسبة ذكر ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2015، والذي فصل بين عمل الحكومة والمجالس المنتخبة، كل ذلك كان له تأثيره الخاص لدى الناخبين والناخبات ..
لقد امتد التصويت العقابي الذي كانت ترغب المعارضة بأن يشمل أحزاب التحالف الحكومي، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب المغربي، بعض مكونات المعارضة نفسها، لاسيما وحزب العدالة والتنمية لم يكن مهيمنا على المجالس المحلية البلدية والقروية بعد انتخابات 2009، ولم يتورط منتخبوه في فضائح الفساد وسوء التدبير بالجماعات الحضرية والقروية .
لقد ضاعف حزب العدالة والتنمية عدد مقاعده في انتخابات الرابع من شتنبر 2015 ثلاث مرات مقارنة مع الانتخابات المحلية لـ2009، والأهم في هذه الانتخابات الجهوية والمحلية، أن العدالة والتنمية، الحزب المشكل للحكومة مع ثلاثة أحزاب أخرى، حصل على أعلى عدد من الأصوات في الانتخابات الجماعية، وعلى خمس جهات من أصل اثنتى عشرة جهة ...
وهذا ما دفع بعض الباحثين والمتابعين للشأن السياسي المغربي، للقول إن حزب العدالة والتنمية خرج فائزا سياسيا في هذه الانتخابات، على الرغم من كون حزب الأصالة والمعاصرة هو الحاصل على العدد الأكبر من المقاعد في اقتراع الرابع من شهر شتنبر2015، وشتان ما بين الفائز سياسيا، والفائز انتخابيا؛ لأن أثر الفوز العددي، معرض للزوال والنسيان والمحو من ذاكرة الناخبين والناخبات، أما الفوز السياسي فممتد في المستقبل، والأهم هو إمكانية تأثيره التوجيهي للناخبين خلال الانتخابات التشريعية لـ 2016.
قامت أحزاب التحالف الحكومي، وحزب العدالة التنمية بشكل أكبر، بالدفاع عن وجودها في الساحة خلال الحملة الانتخابية؛ عبر فضح ممارسات عمداء المدن والمنتخبين السابقين الذين واللائي تقاعسوا عن خدمة المواطنين والمواطنات، ورفع حزب العدالة والتنمية لهذا الغرض شعار: " صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح" ، مثلما وظفت أحزاب المعارضة خلال حملاتها الانتخابية الأداء الحكومي لأحزاب الأغلبية، لاسيما مردودية حزب العدالة والتنمية الذي كان يرفع شعار" صوتنا فرصتنا لمحاربة الفساد والاستبداد" .
وقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن يبعد أحزابا عتيدة كانت تسيطر على كبريات المدن الحيوية بالمغرب خارج أسوارها، وفي المقدمة مدينة الدار البيضاء، وهيمن على مدن جهات كبرى مثل الرباط ومراكش وفاس ودرعة تافيلالت، كما أنه تمكن من هزم غريمه الكبير حزب الاستقلال الذي كان حليفا له في التشكيلة الحكومية الأولى لما بعد انتخابات 2011، واستطاع إبعاد الأمين العام لحزب الاستقلال من قلعته الحصينة فاس التي ظل عمدة لمدينتها لما يزيد عن عشر سنوات، كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض  لم يستطع الحفاظ على مقاعده التي حصدها في انتخابات 2009، وكذلك حزب الاتحاد الدستوري.
الفائز الوحيد في المعارضة هو حزب الأصالة والمعاصرة الذي حل أولا، لكن مع تسجيل تركز فوزه في البوادي والعالم القروي بعدما هيمن مرشحو حزب العدالة والتنمية على الحواضر الكبرى .

نستنتج في ضوء المعطيات السابقة أن أحزاب المعارضة قد فشلت في تقزيم حضور حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي عبر آلية الانتخابات الديموقراطية، كما أن رهانها الكبير على إرباك الحزب ذي المرجعية الإسلامية في المدن والجهات المغربية الكبرى، قد باء بفشل ذريع، وقد مكنت هذه النتائج المفاجئة بالنسبة للمتتبعين والسياسيين، حزب العدالة والتنمية من التغلغل، وبسط نفوذه ليس وسط أتباعه والمتعاطفين معه وما أكثرهم، بل برهن من خلال حضوره، وفوز مرشحيه ومرشحاته الكاسح في خمس جهات كبرى، على امتداد قاعدة المواطنين والمواطنات الذين أصبحوا يثقون بخطاب هذا الحزب وجرأة زعيمه، الذي أثبت نظافة مرشحيه من شبهات الفساد، ناهيك عن تمتع أجهزته التقريرية بالمصداقية والنزاهة والتنظيم الجيد ... لقد قرر الناخبون والناخبات طواعية التصويت على مرشحي حزب العدالة والتنمية عقابا لمن تعاقبوا على تدبير الشؤون الجهوية والمحلية للمواطنين، دون قدرتهم على تحسين ظروف العيش، والاستجابة للمطالب المتعددة والحقوق المشروعة...لقد أرادت المعارضة إضعاف خطاب مرشحي الأغلبية الحكومية باستعمال ورقة الحصيلة الحكومية التي تراها باهتة وغير كافية بتاتا، فانقلب الأمر ضدها حين استطاعت الأغلبية وحزب العدالة والتنمية بشكل أساسي، تدبير حملته الانتخابية بقيادة أمينه العام، عبد الإله بن كيران الذي وفق بين مهمته الرسمية، أي رئاسة الحكومة، وبين زعامته لحزب العدالة والتنمية، حيث هو الأمين العام الحزبي الوحيد الذي تنقل عبر طائرة خاصة بين المدن الكبيرة والصغيرة ، وجاب نقاطا ساخنة واستطاع إقناع الجماهير الغفيرة التي حجت لمتابعة خطاباته الحماسية التي يجنح فيها للعفوية والبساطة والقدرة الفائقة على الارتجال، لقد باح بصراحة وشفافية  وأبان للناس على اختلاف طبقاتهم، سواء الفقيرة أم المتوسطة وحتى البورجوازية، التي صوت عليه بعض المنتسبين إليها، بأنه لم يحقق كل ما كان يصبو إليه، وأنه محتاج لدعم الجماهير لمواصلة الإصلاح ومحاربة الريع والفساد ، ودعا الناخبين للتصويت على الأصلح من المرشحين . 
لماذا لم تحقق ديموقراطيتنا الإقلاع المأمول ؟


خلال الحراك الشعبي العارم الذي عرفه عالمنا العربي مشرقه ومغربه، كانت طموحات الجماهير، وعموم الموطنين والمواطنات، كبيرة وهائلة، كما أن سقوف المطالب كانت تطاول عنان السماء، وكان الكل يراهن على الخيار الديموقراطي الحداثي من أجل تحقيق الطفرة الكبرى التي بمكنتها إلحاق أمتنا وشعوبنا بمصاف الدول الرائدة في الاقتصاد، والاجتماع، والسياسية، ناهيك عن الثقافة والحضارة، غير أن انتقال سِيَاسِيِينا، وأحزابنا، وائتلافاتها وتحالفاتها، من حيز الوجود بالقوة إلى مجال الوجود بالفعل، أظهر بالملموس بعد سنوات غير يسيرة من ممارسة تدبير الشأن العام، أن الهوة لاتزال عميقة وسحيقة، بين المأمول والمتحقق على أرض الواقع؛ بين المشروع المجتمعي الكبير والواعد، والمنجز فعليا على أرض الميدان؛ بين الشعارات الرنانة والهائلة، وإكراهات مواجهة المطالب اليومية؛ مما أصبح يدفع المتابعين والملاحظين، والرأي العام، إلى التساؤل الجدي والجذري، حول جدوى إرساء الديموقراطية في بلداننا العربية بعد عملية التغيير، وعن فوائدها المادية الملموس على أرض الواقع .
لماذا فشلت النخب السياسية، التي كانت مبعدة ومهمشة قبل هبوب رياح الربيع العربي، عن تحقيق الإقلاع الاقتصادي والرفاه الاجتماعي الذي ظلت الشعوب، والطبقات المتضررة في مجتمعاتنا العربية تحلم به، وتتوق لنسائمه ورياحينه؟   
هل من المعقول البحث عن حصائل للديموقراطية في عالمنا العربي والإسلامي، وفسيلتها لازالت حديثة العهد بتربة بيئتنا ومناخها المتقلب وغير القار ؟
هل المظاهرات والاحتجاجات التي أصبح لا يخلو منها أي قطر، أو مدينة، أو شارع في مدننا العربية، لاسيما تلك التي تفاعلت مع التحولات الجارفة والمتسارعة؛ التي أتت بفعل موجة الربيع العربي، دليل على إصابة الناس بخيبة أمل بعد عقود من الانتظار القاتل ؟
أين يكمن الخلل، هل في الديموقراطية ذاتها، أو في النخب السياسية التي حملت مشعل التسيير في عالمنا العربي؟
لابد من التحذير في البدء بأن إجراء المقارنة بين الغرب وعالمنا العربي بالنظر إلى المستويات القياسية التي  بلغها على الأصعدة كافة، ليست صحيحة وموضوعية إذا حاولنا من خلالها الربط الآلي بين الديموقراطية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي تحقق هناك...ذلك أن الغرب المتقدم الآن، لم يبلغ هذا الشأو البعيد من الازدهار، من جراء ارتفاع نسب النمو المحققة؛ بمجرد تبنيه الخيار الديموقراطي نهجا سياسيا، بل من خلال جهود كبيرة وكثيرة ومضنية دامت آمادا زمنية بعيدة ...
وبناء عليه، فالإقلاع الاقتصادي وانعكاساته الإيجابية على مجالات الحياة كلها، وفي المقدمة المجال الاجتماعي، ليس رهينا بمدى إرساء الديموقراطية خيارا سياسيا لا رجعة فيه، بل من خلال سعي الدول الرائدة اليوم في الغرب المتطور إلى الإعلان عن ثورة صناعية واقتصادية وثقافية بشكل متكامل وفي أحياز زمنية متقاربة للغاية.
هل تتوفر مجتمعاتنا وبلداننا العربية على الشروط نفسها ؟
إن استعجال الجماهير العربية، وعموم المواطنين والمواطنات، محاصيل استنبات الديموقراطية في عالمنا العربي، وبحثهم عن النتائج المرضية والمقنعة التي يمكنها تحقيق إقلاعنا الاقتصادي؛ مما يمكن فئات المجتمع، على تنوع طبقاتها من العيش الكريم، وتحقيق الاكتفاء، وارتفاع الناتج الداخلي الخام للإفراد، ليس مقدورا عليه في بضع سنين من بدء عملية الانتقال الديموقراطي .
لماذا ؟
من الإنصاف في البدء القول إن الأحزاب السياسية التي آلت إليها مقاليد التدبير الحكومي بعد الربيع العربي في الدول التي استجابت للحراك الاجتماعي والجماهيري، قد حالت حواجز داخلية وخارجية، بينها وبين بلوغ أهداف الديموقراطية البعيدة المدى، والمتمثلة أساسا في الارتقاء بالمعيش اليومي للطبقات والفئات المحرومة، ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية، وتوفير السكن اللائق للعاجزين عن اقتنائه بأسعار باهضة، ناهيك عن إيجاد مناصب الشغل لعشرات بل مئات المعطلين وخريجي الجامعات ومؤسسات التكوين، دون أن نغفل توفير البنيات التحتية الضرورية واللائقة للاستشفاء المجاني ...دون نسيان القدرة على تخفيض عجز الميزان التجاري، والتخفيف من عبء الدين العمومي للخارج...إلخ.
لقد تسلمت كثير من الحكومات المنتخبة دستوريا زمام التدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي وسط ظروف اقتصادية صعبة، سواء في الداخل أو في الخارج...لقد تزامن الربيع العربي مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت باقتصادات عالمية في أوروبا وأمريكا، كما أن الأحوال الاقتصادية الداخلية للبلدان العربية التي شهدت تحولات سريعة ، لم تكن في أحسن حال ...
هذه الوضعية الاستثنائية كان تقابلها رغبات عارمة للمواطنين والمواطنات الذين سئموا سنوات التدبير الأحادي الذي ظل غارقا في البيروقراطية المقيتة والفساد والزبونية واقتصاد الريع ...إلخ
لم تكن الطريق سالكة إذا أمام الهيآت السياسية التي حازت تأييدا شعبيا عارما بعد تنظيم أول انتخابات تشريعية نزيهة وذات مصداقية في البلدان التي تجاوبت مع موجة الربيع العربي .
لكن هل كانت الأحزاب السياسية الفائزة في أول انتخابات تشريعية مشهود لها بالشفافية في عالمنا العربي، مُهَيأة نفسيا وسياسيا لممارسة مهام التسيير والتخطيط والتنفيذ على أعلى مستوى، علما أن جلها أمضى سنوات ذوات العدد في مقاعد المعارضة البرلمانية، وبعضا الآخر كان قابعا إما في السجون أو في المنافي  ؟
ولو افترضنا أن تلك النخب السياسية كانت فعلا على استعداد للاضطلاع بالمهام الجديدة المترتبة عن الفوز في الانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومات، فهل توفرت لها الطاقات والخبرات من الأطر، والكوادر المدربة، والمؤهلة، لمباشرة العمل الحكومي في الوزارات ؟
إن الظروف الاقتصادية الاقليمية والدولية التي انبثقت فيها الحكومات الجديدة ما بعد الربيع العربي، لا تقتضي أن نتوفر على أحزاب سياسية ونخب وكوادر لهم جميعا القدرة والكفاءة على تحمل المسؤولية الجديدة، بل من الضروري والمؤكد أن تكون لدينا طبقة سياسية من المدبرين الأكفاء؛ الذين يملكون كفاءات خاصة؛ ومهارات استثنائية؛ من أجل قيادة مشاريع الإصلاح خلال الأزمات الاقتصادية، وامتلاك روح المبادرة لتجاوز العقبات والمثبطات ...
مع الأسف الشديد، لم يستطع الفاعلون السياسيون الذين نالوا ثقة شعوبهم خلال التشريعيات، من تجاوز الوضعية المأزومة التي تسلموا فيها مقاليد تدبير الشأن العام.. وقد آثر بعضهم تعليق فشله على مشجب المعارضة السياسية في البرلمان، أو ربطه بالعراقيل التي تضعها مجموعات الضغط التي كانت لها مصالح ترى في الكيانات السياسية الجديدة تهديدا لمصالحها المتجذرة ...
إن الحصائل المتواضعة نتيجة البطء الشديد والقصور البنيوي في مجابهة معضلات التنمية في بلداننا العربية التي تفاعلت مع موجة الربيع العربي، كل ذلك ساهم في صناعة تمثلات سوداء قاتمة لدى المواطنين والمواطنات الذين لم يلمسوا تغييرات عميقة في حياتهم اليومية على الرغم من كون الطبقة السياسية التي نالت ثقتهم هي التي بيدها أمر تسيير وتدبير  القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي لها أثرها البين على معيشة المواطنين ورفاهيتهم ....
النتيجة المحزنة التي يمكن أن يصطدم بها الرأي العام في مجتمعاتنا العربية؛ تتمثل في كون الديموقراطية ليست حلا سحريا لجميع مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية...
إن الديموقراطية سلوك حضاري وممارسة راقية لا يمكنها أن تصلح بمفردها ما أفسدته سنوات التردي والتخلف والاستبداد وسوء التدبير ونهب الثروات والخيرات...
إن ما أخشاه على مجتمعاتنا العربية، سواء السياسيين المدبرين والشباب، أن تظل متشبثة بظاهر الحضارة الغربية وقشورها، غير قادرة على استثمار إنجازاتها العلمية والتكنولوجية والثقافية...وغير مؤهلة لتوظيف الإمكانات التي يتيحها الخيار الديموقراطي من أجل بعث الدينامية الاجتماعية والاقتصادية.
 ولئلا ننشر التشاؤم بين الناس، يجب الاعتراف بأن تبني الديموقراطية في عالمنا العربي، خيارا استراتيجيا في التداول على السلطة، يعتبر مدخلا سليما وصحيحا في السياق الراهن، لكن وجب الاعتراف بالمقابل بأن الديموقراطية بمفردها، مثل حسن النوايا، لا يمكنها أن  تؤول بمجتمعاتنا لبر الأمان والرخاء والازدهار ...
علينا أن نعتبر إرساء الديموقراطية وقيمها الكونية في بلداننا الباحثة عن التنمية المستدامة، نقطة انطلاق أساسية، لكن من الضروري أن تواكبها وتسير  بموازاتها، نهضة شاملة للقضاء على الأمية الحرفية والأمية الثقافية والأمية التكنولوجية، إضافة إلى حاجاتنا اليوم في العالم العربي، إلى كفاءات سياسية واقتصادية لها قدرات خاصة على التخطيط والتدبير والتنفيذ، من أجل الانطلاق من أوضاعنا والانتقال إلى النماذج المتطورة في الاقتصاد والتنمية مثلما حصل مع الدول الأسيوية التي يطلق عليها النمور الأربعة تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية ...
إن مأساتنا اليوم ونحن نتبنى الديموقراطية سلوكا سلميا وحضاريا في التداول على السلطة دون تحقيق مستويات النماء والتقدم المطلوبين، أخطر وأعمق من أحوالنا في الماضي؛ حيث كان الرأي الواحد الانفرادي الأكثر سيادة وهيمنة.
medbenlahcen@gmail.com




الإرهاب لا دين له ولا وطن ؟

كلما هز تفجير ‘إرهابي غاشم أي نقطة في العالم، أو أي قطر من الأقطار، أو أي قارة من القارات، سواء آسيا (أفغانستان، باكستان، العراق، سوريا، السعودية الكويت، لبنان...) أو أمريكا (الشمالية)، أو أورربا (فرنسا)، أو إفريقيا (تونس، مالي، نيجيريا)...إلخ، إلا وتكاثرت التحليلات والتفسيرات، والقراءات، بِعَدَد التنديدات والاستنكارات، وجميع أشكال الشجب والإدانة، وربما في بعض الأحيان نصادف تضخما في فعل القراءة، إن لم نقل القراءات المُؤَوِلة والتأويلية للظاهرة الإرهابية، وهذا التعدد القرائي/ القراءاتي، ظاهرة في حد ذاتها، تجسد وجها آخر للاحتجاج ضد السلوك الإرهابي الذي لا يميز مع الأسف الشديد، بين  الكبير والصغير، بين المتدينين وغيرهم، بين العرب والغربيين، بين الأفارقة والأسيويين، بين بني البشر على هذه البسيطة حيثما كانوا أو وجدوا !!
ما يهمنا في هذا المقام، هو التنبيه على الشطط والتعسف الكبيرين اللذين تسربا لكثير من الآراء والرؤى، خلال مقاربة الظاهرة الإٍرهابية، أو السلوك الإرهابي عموما، ولا ندري هل التهجم على بعض الديانات دون أخرى، والإشارة بالأصابع لبعض الجنسيات دون غيرها، بمناسبة التفاعل والانفعال، وبسبب الوقوع تحت تأثير مخلفات الفعل الإرهابي المدان من جميع البشر، ومن كل الأديان، والمنظمات، والهيآت الدولية والأهلية والمحلية...هل يعتبر كل ذلك التعسف في الإشارة إلى المتورطين في الفعل الإرهابي وانتماءاتهم الجغرافية والعقدية، يمكن عده فَهْمًا عفويًا وتلقائيًا للظاهرة خلال حدوثها مقترنة بالمؤشرات المأخوذة من سياق مسرح الجريمة الإرهابية، وَهُوِيَّةِ المتورطين المباشرين فيها، إضافة إلى انتماءات المساعدين والمدبرين، والمخططين المفترضين لها ؟
بالأمس القريب حين  كان الإرهابيون الظلاميون يفجرون عبواتهم الناسفة والغادرة بمساجد باكستان، كان كثير من الناس يقولون إن الأمر لا يشكل خطرا على العالم الذي يوجد بمنأى عن هذه الصراعات المذهبية والدينية التي تبقى محصورة في جغرافيتها الضيقة، لماذا؟
 لأن باكستان وجارتها أفغانستان، لا زالتا  كما يظن ويفترض، واقعتين تحت ضغط الصراع الطائفي، والانتقام الديني الذي يمارسه السنة ضد الشيعة أو العكس، هذا أمر معروف في هذه المنطقة العالية التوتر بسبب التباينات الدينية الطائفية والمذهبية؛ لاسيما بعد قيام الدولة الباكستانية مستقلة عن دولة الهند الهندوسية. لكن ما أن قام الإرهابيون بتفجير مسجدين بالسعودية (الجمعة 29ماي2015)، والكويت (الجمعة26 يونيو 2015)، حتى تبين أن ما يقع باكستان ليس ببعيد عن دول الجوار، وعن العالم كله، وأن منفذي الاعتداءات الإرهابية قادرون على القيام بسلوكات مماثلة؛ متى ما توفرت لهم الظروف المواتية، إننا هنا أمام ظاهرة  هجرة الجريمة الإرهابية من دول إلى أخرى ...نحن أمام ظاهرة عابرة للحدود والقارات !!
هذا الفهم العميق للظاهرة الإرهابية والسلوك الإرهابي، كان في أمس الحاجة للبراهين المقنعة، والحجج الدامغة، من أجل استيعاب مقاصده ومخططاته وعقائده التي تتعدى الصراع الطائفي الضيق بين مذهبين دينيين متعارضين؛ الشيعة والسنة، أو بين ديانتين مختلفتين؛ كالإسلام والمسيحية، بالنسبة لبؤر التوتر التي تشهد تناحرا بناء على الديانة، إلى ما هو أبعد من ذلك وأخطر ...
إن التفجير الإٍرهابي المقيت الذي زلزل مدينة سوسة التونسية (الجمعة26 يونيو 2015) ضد عدد هام من السياح الأجانب، والذي أتى متزامنا مع الهجوم الوحشي ضد مسجد للشيعة في الكويت،  والهجوم على مصنع للغاز بفرنسا،  يعزز قولنا بتطور السلوك الإرهابي، وتنامي الظاهرة الإرهابية، التي أصبحت عالمية بفعل تعدد المنفذين، وتنوع جنسياتهم، ناهيك عن بلدانهم والقارات التي ينتمون إليها...
إن ظاهرة الإرهاب اليوم، لم تعد تحركها دوافع مذهبية أو طائفية فقط؛ بل أصبحت توجهها وتتحكم فيها بؤر التوتر في العالم؛ لاسيما بعد قيام ما يسمى بتنظيم الدولة " داعش" في العراق والشام ...والذي أضحى لا يركز على دول الجوار في الشرق الأوسط، بل امتد نفوذه ومخططاته إلى شمال إفريقيا وأوروبا ...
ولعل الهجومات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت العاصمة باريس؛ دليل آخر على أن الإرهاب غدا ظاهرة عابرة للحدود والقارات ....
هجومات باريس التي نفذها حسب السلطات الفرنسية شباب من جنسيات أوربية وأصول مغاربية، وشارك فيها أشخاص يشتبه في حملهم جوازات سفر سورية أي؛ من المهاجرين الذين عبروا الحدود اليونانية باتجاه أوروبا الغربية، مؤشر قوي على أن الظاهرة الإرهابية، لم يعد مسرحها محصورا في مناطق النزاعات والتوترات لاسيما في العراق والشام، بل إن هذه البؤر الملتهبة بفعل نشاطات التنظيمات الإرهابية التي تضم عناصر من العالم بأسره تقريبا، يمكننا القول إنها غدت رافدا للإرهابيين المتأهبين لنقل أفعال تنظيماتهم المسلحة خارج حدود منطقة الشام والعراق، فكما أن الحرب على الإرهاب، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أصبحت دولية بفعل مشاركة دول العالم في هذه الحرب، لاسيما القوى العظمى، كذلك الجماعات الإرهابية في هذه المناطق المشتعلة، غدت عنصر جذب لكثير من الشباب في العالم العربي والإسلامي والغربي على السواء ...
إن العبر المستخلصة من خلال ما وقع في باريس، وفي تونس والسعودية والكويت ولبنان ونيجيريا وليبيا...إلخ، يجب أن تحملنا على الامتناع عن حصر مصادر السلوك الإرهابي في  العالم العربي والإسلامي فقط، كما أن استعمال بعض المهاجمين لعبارات تمت للدين الإسلامي بصلة، من قبيل ما قيل عن تكبير بعض المشاركين في تفجيرات باريس، كل ذلك لا يجب في نظري أن يتخذ ذريعة لإلصاق التهم بالدين الإسلامي وهو منها براء، لأن الإسلام لا يدعو  لقتل الأبرياء بل إلى حسن معاملتهم ؛ مصداقا لقوله تعالى:
كما أن استغلال بعض الصحافيين أو بعض المنظمات والأحزاب في الغرب، البلدان الأصلية العربية والمغاربية التي ينحدر منها بعض الإرهابيين المتورطين في تنفيذ الهجمات الإرهابية المدانة والمرفوضة والمستبشعة، في تجاهل مقصود للجنسيات الأوروبية التي يحملونها بحكم ولادتهم في بلدان المهجر، من أجل الدعوة لطرد العرب والمسلمين من بعض الدول الغربية، كل ذلك لن يساعد على إيجاد الحلول الحقيقية والإجرائية لانتشار الظاهرة الإرهابية التي تستمر في استقطاب الشباب في العالم .
إن الفصل بين الأصول والجغرافيات التي ينحدر منها بعض المتورطين في السلوك الإرهابي سواء في منطقة الشام والعراق، أو في العالم بأسره، والوعي العميق والصحيح بخطورة الزج بالأديان عامة، والدين الإسلامي خاصة، في أتون الأفعال المشينة التي يأتيها المشاركون في العمليات الإرهابية، كل ذلك من شأنه تعبئة العالم بجميع جنسياته وأديانه في الحرب التي تعلنها البشرية ضد العنف والإرهاب وإزهاق الأرواح بغير حق ...
إن على العالم الحر، والمنظمات الدولية، وجمعيات المجتمع المدني، التحالف معا من أجل اسئتصال النزوعات الإرهابية، ومحاربة التنظيمات التي تعتقد بأنها قادرة على ترهيب الأبرياء حيثما وجدوا باستعمال السلاح والعنف .

إن الإرهاب اليوم لم يعد ظاهرة محلية مرتبطة ببيئة جغرافية محدودة، وليس تعليمة من تعاليم عقيدة ما، أو مذهب أو دين، كما يسعى بعض المتورطين في الأفعال الإرهابية توهيمنا، إن الإرهاب لادين له ولا وطن