الاثنين، 7 نوفمبر 2016

 

لماذا توني بلير ليس عمر البشير؟؟




هل نحن سواسية في هذا العالم ؟
لكن من يندرج ضمن الضمير " نحن" ؟
هل الإنسان العربي مثل الإنسان الغربي؟
هل المسؤول العربي والمسؤول الغربي سواسية أمام القوانين والتشريعات الدولية؟
لماذا تطارد الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر حسن البشير فقط ؟
لماذا أصر القضاء في جنوب إفريقيا على توقيفه خلال مشاركته في القمة الافريقية في شهر يونيو 2015؟ 
قد يقول قائل، إن الرئيس عمر البشير، اقترف أفعالا يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، لاسيما في إقليم دارفور، وشكلت انتهاكاته الجسيمة تلك؛ والتي اعتبرت حربا ضد الإنسانية، سببا كافيا لتوجيه المحكمة الجنائية الدولية منذ 2009، أمرا دوليا باعتقاله حيثما حل أو ارتحل لسنا هنا في سياق الدفاع عن سيادة الرئيس أو تبرئته مما نسب له، هذا أمر متروك للقضاء حصريا، وأقصد هنا القضاء السوداني بالخصوص .
 لكن السؤال الذي يتبادر للذهن ههنا، هل تتعامل المحكمة الجنائية الدولية مع رؤساء الدول في العالم، والمتهمين بالجرائم الخطيرة، التي يمكن تصنيفها على أنها جرائم حرب ضد الإنسانية، على قدم المساواة؛ أي ؛ بنفس مقاييس الصرامة ومعايير الشدة ؟
هل أنصتت المحكمة الدولية للاعترافات التلقائية لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والتي أدلى بها مؤخرا لقناة "سي ان ان"، "أنا اعتذر ازاء حقيقة ان المعلومات السرية التي استلمناها كانت خاطئة، فرغم ان صدام استخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه والاخرين على نطاق واسع، لكن برنامجه الكيمياوي لم يكن مثلما كنا نتصور (...)، و أعتذر أيضا بسبب بعض الأخطاء في التخطيط خاصة، الخطأ في ادراك الوقائع بعد ازاحة حكومة. هنالك بعض الحقيقة فيما يخص تصريح البعض بان ظهور داعش هو نتاج غزو العام 2003 (غزو اميركا وحلفائها للعراق) ، وبطبيعة الحال لا يمكن القول بان لا مسؤولية تقع على عاتق الذين ازاحوا صدام عام 2003 تجاه ظروف العام 2015".
لقد كانت حرب بوش وبلير على صدام حسين، والعراق، بدون أدلة كافية، وبدون موافقة مجلس الأمن ،كما أنهما لم يمهلا مفتشي الأمم المتحدة حتى ينهوا مهام التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل التي زعما أنه يملكها. لذا ألفينا الرئيس الفرنسي إذاك؛ جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر، يرفضان الانسياق خلف مزاعم دعاة الحرب والمتحمسين لها .
 ألا ينهض هذا التصريح العفوي من رئيس وزراء بريطانيا السابق، دليلا ساطعا على مسؤوليته صٌحْبَة شريكه الأمريكي، في تعريض أمن المنطقة للخطر، مما تسبب في إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء الذين يتساقطون يوميا في بلاد الرافدين ؟
لماذا لم تصدر المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالاستماع لتوني بلير على خلفية الاعترافات التي أتت على لسانه ؟
لماذا يصر القضاء الغربي الدولي على ملاحقة رئيس عربي يتمتع بحصانة سياسية بالنظر إلى كونه لازال يمارس مهامه رئيسا لدولة ذات سيادة، وأعيد انتخابه من قبل شعبه، في حين لا تفعل الأمر نفسه مع  زعيم غربي، لم يعد يمارس مهام منصب رئيس وزراء؛ والذي من خلاله قام بغزو العراق، وتدميره، وتوفير التربة الخصبة للإرهاب المتوحش الذي أصبح شبحا مرعبا للعالم بأسره ؟؟
ومع الأسف الشديد، الأمر نفسه حصل مع الرئيس الليبي معمر القذافي الذي تحركت الطائرات الفرنسية والبريطانية لقصف معاقله وتدميرها؛ مما جعل دولته تسقط، وأغرق ليبيا في دوامة الفوضى العارمة، وشجع على انتشار السلاح، ووقوعه في أيدي الجماعات والميليشيات التي تحالف بعضها مع الإرهاب ومع داعش.
إن الشعور الذي يسيطر على المتابع الموضوعي، وعلى الإنسان العربي خاصة، بعد مقارنة الحالتين أعلاه، وأقصد حالة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، يتمثل في كون العالم لا يسير نحو طريق العدالة، وأننا لسنا قريبين جدا من قيم المساواة، وعدم التمييز؛ على أساس العرق والدين والانتماء، والتي نصت عليها الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان منذ 1948 .
جوابا على سؤالنا أعلاه، نقول إن الإنسان العربي ليس مثل نظيره الغربي، كما أن الزعيم العربي ليس مثل الزعيم الغربي، وأن العالم تحكمه القوى الخمس التي تسيطر على مجلس الأمن، وتملك حق النقض، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا ...
إن من ينتمي لهذه الدول، يمكنه التمتع بحصانة ضد المتابعة القضائية، لاسيما خارج بلده الأصلي، أما من كان من دول الجنوب، والدول العربية، فليس هناك من يقف بجانبه إذا رأت القوى العالمية متابعته ضرورة لابد منها؛ لاسيما إذا تعارض نشاطه أو خطابه مع مصالحها الحيوية والاستراتيجية ...
كما أن الدول التي ترتبط بالقوى العالمية بصلات وطيدة وصداقات متينة، لا يمكن لزعمائها وقادتها أن يحاكموا، وقبل ذلك، لا يمكن للقضاء الدولي المطالبة بمثولهم على أنظاره، ولنا في قادة إسرائيل، المثال الحي، فعلى الرغم من اقترافهم الجرائم الموثقة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، لاسيما في حق الأطفال الأبرياء، والنساء، لم يجرؤ أحد ممن ينادون بملاحقة المدانين بالجرائم الفظيعة ضد الإنسانية، بالدعوة لمساءلتهم أو اعتقالهم أينما حلوا في العالم .
إن التقدم الهائل الذي حققه العالم في مجال التكنولوجيات والاختراعات بكل أشكالها وأنواعها وأحجامها، لم يوازيه بعد مع الأسف الشديد، تطور على مستوى العدالة والمساواة بين الشعوب والأمم، هذا على الرغم من مرور أزيد من ستة عقود على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
إن هذا الإعلان صدر بإشراف الدول العظمى وبموافقتها، وهي بلا شك لن تقبل أن يضر تطبيق هذا الإعلان العالمي بمصالحها الحيوية، ومخططاتها الاستراتيجية ...
إن على الدول العربية أن تتكتل وتتوحد، وأن تنهض من جديد لتسترجع قوتها ومناعتها في العالم، وتصبح من القوى التي يضرب لها الحساب بين الدول العظمى...لقد منحنا الله ثروات هائلة بشرية وطاقية وفلاحية ، ما أحوجنا لاستثمارها من أجل بناء مجتمعات متطورة قادرة عل إثبات حضورها على الساحة العالمية، ولا أظن أن هناك سبيلا نحو هذه المقاصد والغايات الكبرى، بدون إرساء البحث العلمي التطويري، وتشجيع الطاقات الخلاقة في الجامعات ومراكز البحوث العلمية المواكبة للثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي يشهدها العالم المتقدم، ونحن في حاجة ماسة لتأسيس مجتمعات المعرفة والمعلومات...فضلا عن استنبات الديموقراطية الحقيقية التي تعني تفويض الشعوب الحق في اختيار ممثليها داخل المؤسسات الدستورية .

كما أن المنتظم الدولي، منظمة الأمم المتحدة، في حاجة كبيرة وماسة لتعديل قوانينها ومواثيقها الموروثة عن الحرب العالمية الثانية ونتائجها ومخلفاتها، من أجل مزيد من الديموقراطية في العالم بين الشعوب والأمم، وبين قادتها وزعمائها، لأن استمرار الدول الخمس كاملة العضوية في مجلس الأمن، أي صاحبة الفيتو، في التحكم في السياسة العالمية، وتوجيه المنظمة العالمية والأجهزة المتفرعة عنها في جميع المجالات؛ لئلا تتعارض مجالات تدخلاتها مع المصالح الحيوية لمجموعة حق النقض، لا يمكنه البتة المساعدة في إرساء المساواة بين الشعوب والدول في العالم، وتشكل متابعة الرئيس السوداني عمر حسن البشير جنائيا أما المحكمة الجنائية الدولية بتهم الحرب ضد الإنسانية؛ نظرا لما يقال عن تدخل قواته في دارفور ضد السكان العزل، مظهرا صارخا من مظاهر العدالة الانتقائية التي تركز على قادة إفريقيا؛ القارة الجريحة المغلوب على أمر عدد كبير من دولها لاسيما الواقعة في الجنوب، في حين يتم غض الطرف عن جرائم الكيان الصهيوني فلسطين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق