الاثنين، 7 نوفمبر 2016

التحدث بالعربية يرفع الحرارة
لماذا لم تفهموا الوزيرة !!!

في البداية أؤكد براءتي من تهمة انتحال صفة محام، وقيامي في هذه الأثناء بمهام الدفاع عن الوزيرة المحترمة، و التي روي عنها من بعض المصادر الالكترونية التي يعلم الشيخ غوغل وحده، صدق معلومتهم من زيفها، " تصريحها في ندوة صحافية، في الصخيرات، حين أجابت باللغة الفرنسية، وحاولت التهرب من الإجابة بالعربية، بحضور عشرات من الصحافيين، مبدية "تأففها من التحدث بالعربية" كلغة "، العهدة على الراوي. الخبر اليقين هو أنني أنقل لكم هنا ما تناقلته الشابكة بشأن تصريح مسؤولة حكومية، وبالمناسبة، فوزراؤنا هذه الأيام على المحك؛ بسبب ترصد المواطنين لزلاتهم اللغوية والبروتوكولية والشكلية والتواصلية عامة ...الله في عونهم من أعين الرقباء الذي لا يتركون بسبب هذه العنكبوت النشطة، كبيرة ولا صغيرة إلا قاموا بإحصائها، واستعراضها، والنفخ فيها كل بحسب مرجعيته وخلفياته والله أعلم ماتكن الصدور ....
ما أريد قوله لكم بدون لف و لا دوران، هو أنني أردت في هذا البياض وعلى هذا القرطاس، أن أقدم مرافعتي بصفتي من أبناء الضاد البررة والأوفياء، في زمن كثر العاقون للضاد؛ التي أدار لها كثير من الناس من بني جلدتنا قلوبهم، قبل أن ينبذوها وراء ظهورهم؛ بدعوى أنها ظلت راكدة في مكانها لم تبرحه على الرغم من تعاقب الليل والنهار، والسنوات والشهور، وقد نسوا أو تناسوا، أنهم هم من ظل رابضا بمكانه، غير محرك لحركاته وسكناته، قانعا بما تجود به تقليعات الغرب، بعدما أحبوا التواكل والاستهلاك والتقاعس ...وما لغتنا إلا صورة مصغرة عن أحوالنا وأهوالنا وضعفنا وقوتنا !!!!
أعود لما قالته الوزيرة المحترمة ، وما رافقه من شجب وإدانة وانتقاد وجلبة، لأتساءل من موقع المهتم بالشأن اللغوي، فأنا لا علاقة لي بالسياسة والسياسيين، منذ اقتنعت أن التفكير والثقافة يأبيان الانغلاق والتقوقع وسط أسر الفكر الواحد، والرأي الأوحد، والخط المذهبي الصارم للهياكل والأجهزة وووو !!!
إن التفكير جميل، والأجمل منه أن  يكون  تفكرا بلا قيود، بلا حدود، دون أن يلزمك زيد أو عمر بقانون، أو نظام، أو مسطرة وهلم جرا....وما أجمل أن نعمل من أجل الجميع لا من أجل الطائفة والجماعة والحزب الواحد، وهذا رأيي لا يلزم غيري ....ولا أعني اتهام أحد من الناس الممارسين لهواية السياسة، وفق الله الجميع لخدمة الصالح العام .
إن كلام الوزيرة المحترمة ، قد أول منذ سماعه، وذيوعه بين الناس، وبغض النظر عما كانت الوزيرة تقصده، وما رمت إليه، وسواء كان جوابها موقفا مضمرا، أو رسالة مشفرة، أو واضحة لمن يهمهم الأمر، فإنني أقول كما يقول فقهاء القانون، إن البراءة هي الأصل ...ما معنى هذا الكلام ؟
إن تأويل كلام الوزيرة على أنه صون للغة العربية، أولى من تفسيره على أنه نيل من كرامتها وشرفها !!!
سيقول السامعون، كيف قمت بتأويل كلامها باتجاه التبرئة، ولم تحمله محمل الاتهام، أو التوجس على الأقل !!!
أقول والله أعلم، إن مشكلة المتلقين والسامعين في أغلب الأمر، وعلى اختلاف المواقف والسياقات، عائدة إلى النَصِيين الذين لا يبرحون ظاهر النص، أو كما سموا في تراثنا الفقهي بالظاهرية؛ وهم نمط من القراء أخلصوا للمنطوق من النص، وأبوا أن يحملوا الكلام ما يمكن أن يحتمله، وتركوا ما سمي بالقراءة ما بين السطور .
وبالنسبة لفهم تصريح الوزيرة، ألا يقع سوى  في ظاهر الدلالة التي نطق بها تصريحها ؟
وهل نفهم اللغة المنطوقة باللغة فقط ؟
قد يقول قائل، ويمكن فهمها في ضوء المعاجم والقواميس، وهذا رد صحيح، لكننا نفهم اللغة المحمولة على اللسان بالعقول والمنطق بعد التقاطها بالسماع .
ليس في هذا الأمر غموض أو اختلاف، لكن السؤال المحوري التي يطرح نفسه كالأتي:
ألا يمكن أن نفهم اللغة والخطاب بالنفس طالما أننا نتلقاهما بالصوت والفهم والإحساس ؟
قد يقول قائل، وما علاقة النفس باللغة المنطوقة ؟
ألم يقل الشاعر العربي قديما :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقيل أيضا :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده     فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
أرجو أن لا تطوح بنا الأسئلة بعيدا عن حلبة المعنى الذي نريد الوصول إليه، والمغزى الذي نروم إيصاله للقراء وعموم المتلقين .
الشاهد في النازلة أن الوزيرة قالت إن العربية ترفع درجة حراراتها، وحكم بعض المتلقين ، إما بسبب التسرع أو التعصب أو الاندفاع ، على ما تلفظت به ، بأنه قدح في العربية وافتراء عليها ، وإساءة لها ، لكنني أقول لهم بأنني أخالفكم الرأي والمذهب والتفكير ، ليس لكون الوزيرة لم تقصد إهانة العربية ، بل لكوني تلقيت كلامها على عكسكم تماما ، من خلال حاسة الشعور والعرض على النفس ، واختبار القول بالنظر إلى تلمس وقعه في الواقع على جسدي ...بما يتضمنه من مشاعر وانفعالات وهواجس وهموم ومشاغل ومشارب ....
هل جرب أحدكم عند، أو بعد، سماع قولها، أن يقيس درجة حرارة جسمه خلال التحدث بالعربية ؟
لا أقصد إجراء القياس في سياق واحد، مرة واحدة، بل قصدت فعل ذلك داخل، وخلال سياقات متعددة ومتباينة .
أنا عكسكم، أقصد من حمل كلام الوزيرة على النكاية بالعربية والتعصب ضدها لصالح ضرتها الافرنجية ....حين تلقيت الخبر، استفتيت شعوري وإدراكي، فتبين لي أن الخطاب لم يفهم حق الفهم من لدن سامعيه ...
وهنا لابد من الإشارة إلى حال عشتها بعدما نلت الباكالوريا في بداية التسعينات ، وقصدت جامعة محمد الأول بوجدة للتسجيل مثل كل الطلبة الجدد ، كنت هائما تائها، لم أعرف أين المستقر ، فأخذني الفضول للتسجيل بشعبة اللغة الانجليزية على الرغم من معارضة والدي الذي , وإن لم يكن له فقه عميق بمتطلبات سوق الشغل بعد التخرج ، فقد اشمأز  بعد سماع ما ملت إليه ....ربما لإحساسه ببعد ما اخترت عن فطرتي التي رآها وتحسسها ....
حاولت أن أكتشف بنفسي تلك الشعبة،  وذلك بحضور جميع الحصص، أ تدرون ماذا أصابني بعد أقل من أسبوع من الدراسة ؟
لقد أحسست بنفور شديد، لا يرجع  للإنجليزية، ولكن عائد للشعور الذي انتابني خلال حصص اللغة الأجنبية، وقد أحسست بطبيعة تكويني في شعبة الأداب العصرية، وميلي للأدب واللغة العربيين منذ مرحلة الإعدادي، أن ذاتي غير موجودة في اللغة الأجنبية، بل في اللغة العربية ...التي كانت تمنحني التحليق في التعبير وطاقة قاموسية ومعجمية هائلة في الوصف والسرد ....
إنه شعور يشبه ، بل يتطابق مع ما يضاد الحرارة التي وصفت بها الوزيرة شعورها حين تتحدث بالعربية ، لقد أحسست ببرودة كبيرة ، وكأن هناك من يحتجز لساني ويشل حركته عن النطق بسلاسة وطلاقة ....لكن ما أن غيرت الشعبة وذهبت للعربية حتى تغير كل شيء، وكنت كلما طلبت الكلمة في المدرج العامر، أو في قاعات الدراسة، ارتفعت حرارة جسمي وكأنني وأنا طائر في السماء أحلق بأجنحة الحروف في سماء  المهج والأفئدة والقلوب ....وكانت العيون الشاخصة باتجاهي، لا تزيد حرارتي إلا ارتفاعا ...ولا زلت أذكر كيف أسرت إلي إحدى الطالبات؛ أنها حين سئلت عن مواصفاتي من لدن أحد الطلبة في بداية الموسم، قالت إن أستاذنا خطيب جمعة !!!
ربما ، كما استنتجت من كلامها ، من شدة تلك الحراراة التي تجتاحني خلال الانفعال مع اللغة وبسببها ومن أجلها ......
إن تأويل كلام الوزيرة دون عرضه على النفس، وقبل تجريبه ، والإحساس به ، كل ذلك من شأنه أو يقذف بنا في برك الاتهام والظن وهلم جرا ...
طبعا هناك من سيخالفني الرأي وهذا جميل جدا ، لأنه سيأتي بالحجج التي تلزم الوزيرة باحترام لغة الدستور  بوصفها كانت تمثل خلال الندوة الوزارة وتنطق باسمها ، ولم تكن في معرض التعبير عن الرأي الشخصي ....وهذا نفس الحكم الذي قيل في حق وزيرين قدما استقالتهما مؤخرا ، حيث احتج عليهما كثير من الناس بسبب الخلط بين ممارسة الحق في الخصوصية خارج إطار المسؤولية الحكومية ، وممارسته خلال القيام بها ، ورتبوا على ذلك عواقب وأثارا؛ قالوا إنها تسيء للمكتسبات التي حققتها بلادنا في موضوع الأسرة والمرأة خاصة ...
يعيدا عن الأبعاد السياسية ، قدمت ههنا رأيي،  وأقول في الختام، إن اتهام اللغة العربية برفع درجات الحرارة لدى المتكلم الناطق، دليل ساطع قاطع على سحر العربية النافذ للأعماق، وهو سحر محرك لانفعال المتكلم، وهذا سر إعجاب العرب بها ، وإبداعهم بحروفها ، إنها حرارة موجبة وليست حرارة سالبة، حراراة تثير الجسد وتجلب له الدافعية لإخراج مكنونات الضمير ، المعذرة ، إنكم لم تفهموا الوزيرة !!!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق